الحكمة من حد السرقة
في الإسلام، يُعاقب الزاني بالرجم، ويُعاقب السارق بقطع اليد. وفي العصر الحديث، تُعتبر هذه الأحكام من قبيل الوحشية. فما هو ردّكم على هذا الموضوع؟
أضافه في خميس, 17/04/2025 - 09:20
الأخ / الأخت العزيز,
• كمسلمين، ما يجب علينا هو التسليم لأوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والامتثال لها.
• ومن المعروف أن القوانين المعاصرة لا تعتبر الزنا جريمة. لكن، هل يمكن لأي إنسان عاقل، سواء كان مؤمناً أو غير مؤمن، ولديه مفهوم الشرف والكرامة، أن يقبل بأن تُزال صفة الجريمة عن مثل هذا الفعل، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بأقاربه أو أهل بيته؟
• لا بد من التوضيح بأن أحكاماً مثل الرجم في الإسلام، ليست إلا عقوبات رادعة شديدة. ومن أهداف الشرائع السماوية كلها، ومن مصلحة البشرية جمعاء، الحفاظ على النسل وصيانته. والزنا، من منظور قانوني وإنساني، يُعد من أشنع السبل غير المشروعة التي تفسد وتخلط الأنساب، وهو في الوقت ذاته جريمة شنيعة وجاذبة للنفوس الشاردة. فهل يُعقل أن ديناً عالمياً مثل الإسلام لا يضع عقوبات رادعة أمام مثل هذه الجريمة الدنيئة؟
• ومن الملفت للنظر، أنه رغم شدة عقوبة الزنا، إلا أن إثبات وقوعها في الإسلام مقيد بشروط شديدة جدًا، منها وجود أربعة شهود يرون الفعل بشكل واضح لا لبس فيه. وهذا أمر يكاد يكون مستحيلًا. بل إن من يدّعي رؤية الفعل دون أن يشهد معه ثلاثة آخرون، يُعاقب بجلده ثمانين جلدة. ومعنى هذا أن لا أحد ينبغي له أن يتحدث في هذا الموضوع جزافاً أو ينشره دون بيّنة.
• وقد ورد في عصر النبوة، أن أغلب حالات الرجم التي تمت، لم تكن نتيجة شهادة الشهود، بل باعتراف الجناة أنفسهم الذين أرادوا تطهير أنفسهم من الشعور بالذنب الشديد. وكان النبي صلى الله عليه وسلم، عندما يسمع الاعتراف، يحاول صرفهم عنه ويتأكد من حالتهم العقلية، ويستفسر: هل كان الفعل زنا صريحاً أم مقدمات فقط؟ لكنه بعد الإصرار والاعتراف الواضح، يُطبق عليهم الحد.
• أما حكم قطع يد السارق في القرآن، فهو – إن صح التعبير – من أكثر الأحكام مواكبة لهذا العصر؛ إذ لم يعرف عصر من العصور كثرة في اللصوص، وقطاع الطرق، وسارقي الحقائب، والناهبين، كما عرفه عصرنا. ومن المتفق عليه بين الناس – ما عدا السارقين – أن العقوبات الخفيفة والمتساهلة ليست رادعة لهم.
• ويكفي أن نعلم أن عدد الأيادي التي قُطعت بسبب السرقة عبر التاريخ الإسلام أعداد قليلة جداً
• في المقابل، وفي زماننا الحالي، لا يكاد يمر يوم في مدينة من مدن العالم دون أن تُزهق أرواح، وتُرتكب جرائم قتل لأجل المال، ويُسلب الناس في وضح النهار، كل ذلك دون رادع حقيقي. ومن هنا، فإن حاجة هذا العصر إلى رادع حاسم، هي أعظم من أي عصر مضى.
• وفي هذا السياق نورد هنا حكاية تمثيلية وردت في كليات رسائل النور للامام سعيد النورسي يقول :
(سافر شخص إلى قوم من البدو في صحراء، فنزل ضيفاً عند رجل فاضل.. لَاحَظَ أنهم لا يهتمون بحرز أموالهم. وقد ألقى صاحبُ المنزل نقودَه في زوايا البيت مكشوفةً دون تحفّظ.
- قال الضيف لصاحب المنزل:
- ألا تخافون من السرقة؟ تلقون أموالكم هكذا في الزوايا دون تحرز؟
أجابه: لا تقع السرقة فينا!
- إننا نضع نقودنا في صناديق حديد مقفلة، ومع ذلك كثيراً ما تقع فينا السرقة.
* إننا نقطع يد السارق كما أمر به الله تعالى وعلى وفق ما تتطلبه عدالة الشريعة.
- فإذن كثيرون منكم قد حرموا من إحدى أيديهم!
* ما رأيت إلّا قطع يد واحدة، وقد بلغتُ الخمسين من العمر.
- إن في بلادنا يسجن يومياً ما يقارب الخمسين من الناس بسبب السرقة، ومع ذلك لا يردعهم ذلك إلّا بواحد من ألف مما تردعه عدالتكم!
* لقد أهملتم حقيقة عظيمة وغفلتم عن سرّ عجيب عريق، لذا تُحرمون من حقيقة العدالة؛ إذ بدلاً من المصلحة الإنسانية تتدخل فيكم الأغراض الشخصية والمحسوبيات والتحيز وما إلى ذلك من الأمور التي تغيّر طبيعة الأحكام وتحرّفها.
وحكمة تلك الحقيقة هي: أن السارق فينا في اللحظة التي يمد يده للسرقة يتذكر إجراء الحدّ الشرعي عليه، ويخطر بباله أنه أمر إلهي نازل من العرش الأعظم، فكأنه يسمع بخاصية الإيمان بأُذن قلبه ويشعر حقيقةً بالكلام الأزلي الذي يقول: ﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُٓوا اَيْدِيَهُمَا ﴾ (المائدة:٣٨) فيهيج عنده ما يحمله من إيمان وعقيدة، وتثار مشاعره النبيلة، فتحصل له حالة روحية أشبه ما يكون بهجوم يُشن من أطراف الوجدان وأعماقه على ميل السرقة، فيتشتت ذلك الميل الناشئ من النفس الأمارة بالسوء والهوى، وينسحب وينكمش، وهكذا بتوالي التذكير هذا يزول ذلك الميل إلى السرقة، إذ الذي يهاجم ذلك الميل ليس الوهم والفكر وحدهما وإنما هو قوى معنوية من عقل وقلب ووجدان، كلها تهاجم دفعة واحدة ذلك الميل والهوى فبتذكر الحد الشرعي يقف تجاه ذلك الميل زجرٌ سماوي ورادع وجداني فيسكتانه.) (الخطبة الشامية)
• وخلاصة القول: عندما تُطبّق الحدود والعقوبات باسم الأمر الإلهي والعدل الرباني، فإن الروح والعقل والضمير وجوانب الإنسان اللطيفة تتأثر وتتفاعل معها، ولهذا السبب فإن عقوبة واحدة خلال خمسين سنة، أنفع من عشرات السجون اليومية."
أسئلة إسلامية