حكمة انقسام المجتمع الى طوائف وقبائل

بسم الله الرحمن الرحيم

{ يا ايها الناس إناّ خلقناكُم مِن ذَكَرٍ واُنثى وجَعَلناكُم شُعوباً وقبائلَ لِتعارفوا } [الحجرات:13]

قطرة نورية من كليات رسائل النورسي

حكمة انقسام المجتمع الى طوائف وقبائل

 

اي:خلقناكم طوائف وقبائل وامماً وشعوباً كي يعرف بعضكم بعضاً وتتعرفوا على علاقاتكم الاجتماعية، لتتعارفوا فيما بينكم، ولم نجعلكم قبائل وطوائف لتتناكروا فتتخاصموا.

في هذا المبحث سبع مسائل:

المسألة الاولى: ان الحقيقة الرفيعة التي تفيدها هذه الآية الكريمة تخص الحياة الاجتماعية، لذا اضطررت الى كتابة هذا المبحث بنية خدمة القرآن العظيم، وعلى أمل إنشاء سدٍ امام الهجمات الظالمة. فكتبته بلسان (سعيد القديم) الذي له علاقة بالحياة الاجتماعية الاسلامية، وليس بلسان (سعيد الجديد) الذي يريد اجتناب الحياة الاجتماعية.(1)

المسألة الثانية: نقول بياناً لدستور التعارف والتعاون الذي تشير اليه هذه الآية الكريمة انه:

يقسّم الجيش الى فيالق والى فرق والى ألوية والى أفواج والى سرايا والى فصائل والى حظائر، وذلك ليعرف كل جندي واجباته حسب تلك العلاقات المختلفة المتعددة، وليؤدي افراد ذلك الجيش تحت دستور التعاون وظيفة حقيقية عامة لتصان حياتهم الاجتماعية من هجوم الاعداء. والاّ فليس هذا التقسيم والتمييز الى تلك الاصناف، لجعل المنافسة بين فوجين او اثارة الخصام بين سريتين او وضع التضاد بين فرقتين.

وكذلك الامر في المجتمع الاسلامي الشبيه بالجيش العظيم، فقد قُسّم الى قبائل وطوائف، مع ان لهم ألف جهة وجهة من جهات الوحدة ؛ اذ خالقهم واحد، ورازقهم واحد، ورسولهم واحد، وقبلتهم واحدة، وكتابهم واحد، ووطنهم واحد.. وهكذا واحد، واحد.. الى الألوف من جهات الوحدة التي تقتضي الاخوة والمحبة والوحدة. بمعنى ان الانقسام الى طوائف وقبائل - كما تعلنه الآية الكريمة - ماهو الاّ للتعارف والتعاون لا للتناكر والتخاصم.

المسألة الثالثة: لقد انتشر الفكر القومي وترسّخ في هذا العصر. ويثير ظالمو اوروبا الماكرون بخاصة هذا الفكر بشكله السلبي في اوساط المسلمين ليمزقوهم ويسهل لهم ابتلاعهم. ولما كان في الفكر القومي ذوق للنفس، ولذة تُغفل، وقوة مشؤومة، فلايقال للمشتغلين بالحياة الاجتماعية في هذا الوقت: دعوا القومية!

ولكن القومية نفسها على قسمين:

قسم منها سلبي مشؤوم مضر، يتربى وينمو بابتلاع الآخرين ويدوم بعداوة من سواه، ويتصرف بحذر. وهذا يولد المخاصمة والنزاع. ولهذا ورد في الحديث الشريف (أن الاسلام يجبّ ما قبله) ويرفض العصبية الجاهلية. وامر القرآن الكريم بـ (إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فانزلَ الله سكينتهُ على رسولهِ وعلى المؤمنين وألزمهم كلمةَ التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليماً) (الفتح:26). فهذه الآية الكريمة والحديث الشريف يرفضان رفضاً قاطعاً القومية السلبية وفكر العنصرية.لان الغيرة الاسلامية الايجابية المقدسة لاتدع حاجة اليها.

تُرى أيّ عنصر في العالم تعداده ثلاثمائة وخمسون مليوناً ويُكسب فكر المرء - بدل الاسلام - هذا العدد من الاخوان، بل اخواناً خالدين؟

ولقد ظهرت طوال التاريخ أضرار كثيرة نجمت عن القومية السلبية، نذكر منها:

ان الامويين خلطوا شيئاً من القومية في سياساتهم، فأسخطوا العالم الاسلامي فضلاً عما ابتلوا ببلايا كثيرة من جراء الفتن الداخلية.

وكذلك شعوب اوروبا، لما دعوا الى العنصرية واوغلوا فيها في هذا العصر نجم العداء التاريخي الملئ بالحوادث المريعة بين الفرنسيين والالمان كما أظهر الدمار الرهيب الذي احدثته الحرب العالمية، مبلغ الضرر الذي يلحقه هذا الفكر السلبي للبشرية.

وكذلك الحال فينا ؛ ففي بداية عهد الحرية (أي اعلان الدستور) تشكلت

جمعيات مختلفة للاجئين وفي المقدمة الروم والارمن، تحت اسماء أندية كثيرة، وسببت تفرقة القلوب - كما تشتتت الاقوام بانهدام برج بابل، وتفرقوا ايدي سبأ في التاريخ - حتى كان منهم من اصبح لقمة سائغة للاجانب، ومنهم من تردى وضل ضلالاً بعيداً.

كل ذلك يبين نتائج القومية السلبية وأضرارها.

اما الآن فان التباغض والتنافر بين عناصر الاسلام وقبائله ـ بسبب من الفكر القومي ـ هلاك عظيم، وخطب جسيم، اذ ان تلك العناصر أحوج ما يكون بعضهم لبعض، لكثرة ما وقع عليهم من ظلم وإجحاف ولشدة الفقر الذي نزل بهم ولسيطرة الاجانب عليهم، كل ذلك يسحقهم سحقاً ؛ لذا فان نظر هؤلاء بعضهم لبعض نظرة العداء مصيبة كبرى لاتوصف، بل انه جنون اشبه ما يكون بجنون من يهتم بلسع البعوض ولايعبأ بالثعابين الماردة التي تحوم حوله.

نعم، ان أطماع اوروبا التي لاتفتر ولاتشبع هي كالثعابين الضخمة الفاتحة افواهها للابتلاع. لذا فان عدم الاهتمام بهؤلاء الاوروبيين، بل معاونتهم معنىً بالفكر العنصري السلبي، وانماء روح العداء ازاء المواطنين القاطنين في الولايات الشرقية او اخواننا في الدين في الجنوب، هلاك وأيّ هلاك وضرر وبيل.

اذ ليس بين افراد الجنوب من يستحق ان يُعادى حقاً، بل ما أتى من الجنوب الاّ نور القرآن وضياء الاسلام، الذي شعّ نوره فينا وفي كل مكان.

فالعداء لاولئك الاخوان في الدين، وبدوره العداء للاسلام، انما يمس القرآن، وهو عداء لجميع اولئك المواطنين، ولحياتَيهم، الدنيوية والاخروية.

لذا فادعاء الغيرة القومية بنية خدمة المجتمع يهدم حجر الزاوية للحياتين معاً فهي حماقة كبرى وليست حمية وغيرة قطعاً.

المسألة الرابعة: القومية الايجابية نابعة من حاجة داخلية للحياة الاجتماعية، وهي سبب للتعاون والتساند، وتحقق قوة نافعة للمجتمع، وتكون وسيلة لاسناد اكثر للأخوة الاسلامية.

هذا الفكر الايجابي القومي، ينبغي ان يكون خادماً للاسلام، وان يكون قلعة حصينة له، وسوراً منيعاً حوله، لا ان يحل محل الاسلام، ولابديلاً عنه، لان الاخوة

التي يمنحها الاسلام تتضمن ألوف انواع الاخوة. وانها تبقى خالدة في عالم البقاء وعالم البرزخ.

ولهذا فلا تكون الاخوة القومية مهما كانت قوية الاّ ستاراً من استار الاخوة الاسلامية.وبخلافه، اي اقامة القومية بديلاً عن الاسلام جناية خرقاء اشبه ما يكون بوضع احجار القلعة في خزينة ألماس فيها وطرح الالماسات خارج القلعة.

يا ابناء هذا الوطن من اهل القرآن !

لقد تحديتم العالم اجمع منذ ستمائة سنة بل منذ ألف سنة من زمن العباسيين، وانتم حاملو راية القرآن والناشرون له في العالم اجمع. وقد جعلتم قوميتكم حصناً للقرآن وقلعة للاسلام، وألزمتم العالم ازاءكم الصمت والانقياد. ودفعتم المهالك العظيمة التي كادت تودي بحياة العالم الاسلامي حتى أصبحتم مصداقاً حسناً للآية الكريمة:

(فسوفَ يأتي الله بقومٍ يُحبُّهم ويُحبّونَهُ أذلّةٍ على المؤمنين أعزّةٍ على الكافرين يجاهدونَ في سبيل الله) (المائدة:54).

فلاتنخدعوا ولاتميلوا الى مكايد الاوروبيين ودسائس المتفرنجين. واحذروا حذراً شديداً ان تكونوا مصداق بداية هذه الآية الكريمة .(2)

حالة تثير الانتباه

ان الشعب التركي هم اكثر عدداً من اي قوم من الاقوام الاسلامية الاخرى، وانهم مسلمون في كل بقاع العالم، بينما الاقوام الاخرى، فيهم المسلمون وغير المسلمين معاً، لذا لم تنقسم الامة التركية كبقية الاقوام، فاينما توجد طائفة من الاتراك فهم مسلمون، والذين ارتدوا عن الاسلام او الذين لم يسلموا اصلاً، قد خرجوا عن وصف الترك كالمجر. علماً ان الاقوام الاخرى حتى الصغيرة منها فيهم المسلمون وغير المسلمين.

ايها الاخ التركي !

احذر وانتبه ! انت بالذات، فان قوميتك امتزجت بالاسلام امتزاجاً لايمكن فصلها عن الاسلام، ومتى ما حاولت عزلها عن الاسلام فقد هلكت اذاً وانتهى أمرك. ألا ترى ان جميع مفاخرك في الماضي قد سجّل في سجل الاسلام، وان تلك المفاخر لايمكن ان تمحى من الوجود قطعاً فلا تمحها انت من قلبك بالاستماع الى الشبهات التي تثيرها شياطين الانس.

المسألة الخامسة: ان الاقوام المتيقظة في آسيا، قد تمسكوا بالقومية، وحذوا حذو اوروبا في كل النواحي. حتى ضحوا بكثير من مقدساتهم في سبيل ذلك التقليد.

والحال ان كل قوم يلائمه لباس على قدّه وقامته، وحتى لو كان نوع القماش واحداً فانه يلزم الاختلاف في الطراز. اذ لايمكن إلباس المرأة ملابس الشرطي، ولايمكن إلباس العالم الديني ملابس الخليعات.

فالتقليد الاعمى يؤدي في كثير من الاحيان الى حالة من الهزء والسخرية كهذه.. لان:

اول:ان كانت اوروبا حانوتاً، او ثكنة عسكرية، فان آسيا تكون بمثابة مزرعة او جامع. وان صاحب الحانوت قد يذهب الى المسرح، بينما الفلاح لايكترث به. وكذلك تتباين اوضاع الثكنة العسكرية والمسجد او الجامع.

ثم ان ظهور اكثر الانبياء في آسيا، وظهور اغلب الحكماء والفلاسفة في اوروبا، رمزٌ للقدر الإلهي واشارة منه الى ان الذي يوقظ اقوام آسيا ويدفعهم الى الرقي ويحقق ادامة إدارتهم هو الدين والقلب. اما الفلسفة والحكمة فينبغي ان تعاونا الدين والقلب لا ان تحلا محلهما.

ثاني:لايقاس الدين الاسلامي بالنصرانية، اذ ان تقليد الاوروبيين في اهمالهم دينهم تقليداً أعمى خطأ جسيم؛

لان الاوروبيين متمسكون بدينهم اولاً، والشاهـد على هـذا، في المقـدمة

(ولسن)(3)و(لويد جورج)(4)و(فينزيلوس)(5) وامثالهم من عظماء الغرب، فهم متمسكون بدينهم كأي قس متعصب. فهؤلاء شهود اثبات ان اوروبا مالكة لدينها بل تعد متعصبة.

ثالث:ان قياس الاسلام بالنصرانية، قياس مع الفارق، وهو قياس خطأ محض. لان اوروبا عندما كانت متمسكة بل متعصبة لدينها، لم تكن متحضرة، وعندما تركت التعصب والالتزام بدينها تحضرت.

ولقد أثار التعصب الديني لدى اوروبا نزاعات داخلية دامت ثلاثمائة سنة، وكان الحكام المستبدون يتخذون الدين وسيلة في سحق العوام وفقراء الناس واهل الفكر والعلم منهم، حتى تولد لدى عامة الناس نوع من السخط على الدين.

اما في الاسلام ـ والتاريخ شاهد ـ فلم يصبح الدين سبباً للنزاع الداخلي الاّ مرة واحدة فقط، وقد ترقى المسلمون ـ بالنسبة لذلك الوقت ـ رقياً عظيماً ما ملكوا الدين واعتصموا به. والشاهد على هذا ؛ الدولة الاسلامية في الاندلس التي غدت استاذة عظيمة لأوروبا. ولكن متى ما اهمل المسلمون دينهم تخلّفوا وتردّوا.

ثم ان الاسلام حامي الفقراء والعوام من الناس، وذلك بوجوب الزكاة وحرمة الربا، وامثالهما من ألوف المسائل التي ترأف بحال العوام.

ثم ان الاسلام يحمي اهل العلم، ويستشهد العقل والعلم ويوقظهما في النفوس بمثل هذه الآيات الكريمة: [.. أفلا يتدبرون.. أفلا يتفكرون.. أفلا يعقلون ].

لذا كان الاسلام دوماً قلعة الفقراء وحصن العلماء وملجأهم. فلا داعي في الاسلام قطعاً لمثل هذه المجافاة.

وسر الحكمة والفرق الاساس بين الاسلام وسائر الاديان، ومنها النصرانية هو الآتي:

ان اساس الاسلام هو التوحيد الخالص، فلايسند التأثير الحقيقي الى الاسباب او الوسائط ولاقيمة لها في الاسلام من حيث الايجاد والخلق.

اما في النصرانية، فان فكرة البنوة التي ارتضوها، تعطي اهمية للوسائط وقيمة للاسباب، فلا تكسر الغرور والتكبر بل يسند قسطاً من الربوبية الالهية الى الاحبار والرهبان، حتى صدق عليهم قوله تعالى: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله) (التوبة:31).

ومن هذا فان عظماء النصارى يكونون متعصبين لدينهم، مع انهم يحافظون على غرورهم وانانيتهم رغم ما يتسنمون من مهام دنيوية كبيرة، مثال ذلك: رئيس امريكا (ولسن)الذي كان رجل دين متعصباً.

بينما في الاسلام الذي هو دين التوحيد الخالص، ينبغي للمتقلدين للوظائف الكبيرة في الدولة ان يدعوا غرورهم ويتركوا انانيتهم، او لايبلغون التدين الحق، ولهذا يظل قسم منهم مهملين امور الدين، بل قد يكون منهم خارجين عن الدين.

المسألة السادسة:نقول لأولئك الذين يغالون في العنصرية وفي القومية السلبية.

اول:لقد حدثت هجرات كثيرة جداً في بقاع الارض كلها ولاسيما في بلادنا هذه، منذ سالف العصور. وتعرضت اقوام كثيرة الى تغيرات وتبدلات كثيرة، وازدادت تلك الهجرات الى بلادنا بعد ان اصبحت مركزاً للحكومة الاسلامية حتى حامت سائر الاقوام كالفراش حولها، وألقت بنفسها فيها واستوطنتها. فلا يمكن ـ والحال هذه ـ تمييز العناصر الحقيقية بعضها عن بعض الاّ بانفتاح اللوح المحفوظ.

لذا فبناء المرء اعماله وحميته على العنصرية لامعنى له البتة، فضلاً عن أضرارها.

ولاجل هذا اضطر احد دعاة العنصرية والقومية السلبية ـ الذي لايقيم وزناً للدين ـ ان يقول: اذا اتحد الدين واللغة فالامة واحدة.

ولما كان الامـر هكذا فلابد من النظر الى اللغة والدين والـروابط الوطنية لا الى العنصرية الحقيقية. فان اتحدت هذه الثلاثة، فالامة قوية اذاً بذاتها. وان نقص أحد هذه الثلاثة فهو داخل ايضاً ضمن القومية.

ثاني:نبين فائدتين ـ على سبيل المثال ـ من مئات الفوائد التي تكسبها الحمية الاسلامية المقدسة للحياة الاجتماعية لابناء هذا الوطن.

الفائدة الاولى:

ان الذي حافظ على حياة الدولة الاسلامية وكيانها ـ رغم ان تعدادها عشرون او ثلاثون مليوناً ـ تجاه جميع دول اوروبا العظيمة، هو هذا المفهوم النابع من القرآن الذي يحمله جيشه:" اذا متُّ فانا شهيد وان قتلتُ فانا مجاهد ".. هذا المفهوم دفع ابناء هذا الوطن الى استقبال الموت باسمين، مما هزّ قلوب الاوروبيين وارهبهم.

تُرى اي شيء يمكن ان يبرز في الميدان ويبعث في روح الجنود مثل هذه التضحية والفداء وهم ذوو أفكار بسيطة وقلوب صافية؟.

اية عنصرية يمكن ان تحل محل هذا المفهوم العلوي؟ واي فكر غيره يمكن ان يجعل المرء يضحي بحياته وبدنياه كلها طوعاً في سبيله ؟.

ثانياً:

ما آذت الدول الاوروبية الكبرى وثعابينها المردة ؛ هذه الدولة الاسلامية وتوالت عليها بضرباتها، الاّ وابكت ثلاثمائة وخمسين مليوناً من المسلمين في انحاء العالم، وجعلتهم يئنون لأذاها، حتى سحبت تلك الدول الاستعمارية يدها عن الاذى والتعدي لتحول دون اثارة عواطف المسلمين عامة، فتخلت عن الاذى.

فهل تُستصغر هذه القوة الظهيرة المعنوية والدائمة لهذه الدولة، وهل يمكن انكارها؟

تُرى اية قوة اخرى يمكن أن تحلّ محلها؟ فهذا ميدان التحدي فليُظهروا تلك القوة؟ لذا ينبغي الاّ نجعل تلك القوة الظهيرة العظمى تعرض عنّا لاجل التمسك بقومية سلبية وحمية مستغنية عن الدين.

المسألة السابعة:نقول للذين يبدون حماسةً شديدة للقومية السلبية:

ان كنتم حقاً تحبون هذه الامة حباً جاداً خالصاً، وتشفقون عليها، فعليكم ان تحملوا في قلوبكم غيرة تسع الاشفاق على غالبية هذه الامة لاعلى قلة قليلة منها، اذ

ان خدمة هؤلاء خدمة اجتماعية مؤقتة غافلة عن الله ـ وهم ليسوا بحاجة الى الرأفة والشفقة ـ وعدم الرأفة بالغالبية العظمى منهم ليس من الحمية والغيرة في شئ.

اذ الحمية بمفهوم العنصرية يمكن ان يجلب النفع والفائدة لاثنين من كل ثمانية اشخاص من الناس، فائدة مؤقتة، فينالون مما لايستحقونه من الحمية، اما الستة الباقون فهم إما شيخ او مريض او مبتلى ببلاء، او طفل، او ضعيف جداً، او متقٍ يخشى الله ويرجو الآخرة.. فهؤلاء يبحثون عن سلوان ونور يبعث فيهم الامل، حيث انهم يتوجهون الى حياة برزخية واخروية. فهم محتاجون الى ايدي اللطف والرحمة تمتد اليهم. فأية حمية تسمح لاطفاء نور الامل لدى هؤلاء والتهوين من سلوانهم؟

هيهات! اين الاشفاق على الامة واين التضحية في سبيلها!.

اننا لانيأس من روح الله قطعاً، فلقد سخّر سبحانه ابناء هذا الوطن وجماعاته المعظمة وجيشه المهيب منذ ألف سنة في خدمة القرآن وجعلهم رافعي رايته. لذا فأملنا عظيم في رحمته تعالى الاّ يهلكهم بعوارض موقتة ان شاء الله، وسيمد سبحانه ذلك النور ويجعله اسطع وابهر اشراقاً فيديم وظيفتهم المقدسة.(*)

___________________

[1] المقصود الامور الاجتماعية التي تمس السياسة. ـــ المترجم.

[2] وهو قوله تعالى: (ياأيها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ...)ــ المترجم

المكتوب السادس والعشرون - ص:417

[3] ولسن توماس وودرو(1856ـ 1924): رئيس الولايات المتحدة(1913ـ 1921) درس القانون ومارس المحاماة، كان مدير جامعة برنستون (1902ـ 1910) فاز برئاسة الجمهورية عن الحزب الديمقراطي، كان يجاهر بعدائه لكل ألوان الاستعمار، ألف عدة كتب في النظم السياسية اهمها(تاريخ الشعب الامريكي) 5 أجزاء 1902 .ـ المترجم.

[4] لويد جورج (1863ـ1945): سياسي بريطاني حر المذهب، ولد من اسرة فقيرة بمقاطعة ويلز. عرف في اوائل حياته كراهيته للاستعمار. لمع اسمه ببلاغته الخطابية، شغل عدة مناصب وزارية، وظل عضواً بمجلس العموم حتى قبيل وفاته. ـ المترجم.

[5] فينزيلوس (1864ـ1936): سياسي يوناني، من رجال الدولة المشهورين. لعب دوراً بارزاً في ثورة كريت(1896ــ 1897) ضد الدولة العثمانية. ألف الوزارة اليونانية 1910 نظم عدة فتن مسلحة ضد الحكومة الملكية، ولكنها قمعت، وفر فينزيلوس الى فرنسا، حيث توفي العام التالي.ـ المترجم.

(*) كليات رسائل النور - المكتوب السادس والعشرون - ص:(413)

 

قرئت 25 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد