من معجزاته صلى الله عليه وسلم ذاته المباركة

 

 

إن أعظم معجزة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بعد القرآن الكريم هو ذاته المباركة، أي ما اجتمع فيه صلى الله عليه وسلم من الأخلاق السامية والخصال الفاضلة، وقد اتفق الأعداء والأولياء على أنه أعلى الناس قدراً وأعظمهم محلاً وأكملهم محاسن وفضلاً. حتى إن بطل الشجاعة الإمام علي رضي الله عنه يقول: (إنا كنا إذا حمي البأس - ويروى اشتد البأس - واحمرّت الحدق اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم)... وهكذا كان صلى الله عليه وسلم في ذروة ما لا يرقى إليها أحد غيره من كل خصلة حميدة كما هو في الشجاعة.

نحيل هذه المعجزة الكبرى إلى كتاب (الشفا في حقوق المصطفى) للقاضي عياض المغربي، فقد أجاد فيه حقاً وفي بيانها أيّما إجادة، وإثبتها في أجمل تفصيل.

***

ثم إن الشريعة الغراء التي لم يأت ولا يأتي مثلها هي معجزة أخرى عظيمة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حتى اتفق الأعداء والأصدقاء عليها..

نحيل تفصيل هذه المعجزة وبيانها إلى جميع ما كتبناه من (الكلمات) الثلاث والثلاثين، و(المكاتيب) الثلاثة والثلاثين و(اللمعات) الإحدى والثلاثين و(الشعاعات) الثلاثة عشر.

ثم المعجزة العظمى.. تلك هي معجزة (انشقاق القمر) التي رويت روايات متواترة وهي ثابتة ثبوتاً قاطعاً لا تقترب منها شبهة. فقد رويت بطرق عديدة وبصورة متواترة عن: ابن مسعود، وابن عباس، وابن عمر، والإمام علي، وأنس، وحذيفة، وأمثالهم كثير من الصحابة الأجلاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. فضلاً عن تأييد القرآن الكريم وإعلانه تلك المعجزة في: ﴿اقتربت الساعةُ وانشقّ القمر﴾ بل لم يسع كفار قريش وهم أهل عناد وتعنت أن ينكروا هذه المعجزة، ولكنهم قالوا: (إنه سحر) أي أن انشقاق القمر أمر ثابت مقطوع به حتى من قبل الكفار أنفسهم إلا أنهم أوّلوا الحادثة بأنها سحر.

نحيل إلى رسالة انشقاق القمر التي هي ذيل (رسالة المعراج).

ثم إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أظهر المعجزة العظمى معجزة (المعراج) لأهل السماء كما أظهر لأهل الأرض معجزة (انشقاق القمر). فنحيل إلى رسالة (المعراج) وهي الكلمة الحادية والثلاثون، التي أثبتت صدق تلك المعجزة وأظهرتها بوضوح، إلاّ أننا سنذكر هنا ما هو مقدمةٌ لتلك المعجزة وهي سفره صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس، وطلب قريش منه وصف بيت المقدس صبيحة المعراج، وما حصل في هذا السفر من معجزة أيضاً.

فعندما أخبر الرسول الكريم صبيحة ليلة المعراج عن سفره، كذّبته قريش وقالوا : إن كنت حقاً قد ذهبت إلى بيت المقدس فصف لنا أبوابه وجدرانه وأحواله.

قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (فكربتُ كرباً ما كربتُ مثله قط، فرفعه الله لي أنظر إليه)(1) أي رُفع له بيت المقدس وبدأ يصفه وهو ينظر إليه، فتيقنتْ قريش من الخبر (وقالوا: متى تجئ) أي القافلة التي رآها الرسول في الطريق، (قال يوم الأربعاء. فلما كان ذلك اليوم أشرفت قريش ينتظرون وقد ولّى النهار، ولم تجئ: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فزيد له في النهار ساعة وحبست الشمس)(2).

فأنت ترى أن الارض تعطّل وظيفتها ساعة من نهار تصديقاً لخبره صلى الله عليه وسلم ، وتشهد على صدقه الشمس الضخمة.. ترى ما أشقاه ذلك الذي لا يصدق كلام هذا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي عطلت الأرض وظيفتها وحبست الشمس نفسها تصديقاً لكلامه. وما أسعد أولئك الذين نالوا شرف امتثال أوامره صلى الله عليه وسلم... تأمل في هذا وقل:

الحمد لله على الإيمان والإسلام.

* * *

___________________________________

(1) الشفا (1/ 191)، رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: باب الإسراء، وفي تفسير سورة الإسراء. ومسلم برقم (170) والترمذي (2132 - تحقيق أحمد شاكر) ونص الحديث: (عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لما كذبتني قريش قمتُ في الحجر، فجلّى الله لي بيت المقدس، فطفقت أخبرهم عن آياته وأنا أنظر إليه).. وللبخاري زيادة على هذا الحديث في رواية أخرى.

(2) الشفا (1/ 284) قال علي القاري (1/ 591 - 592): وقد قال بعضهم حديث ردّ الشمس له صلى الله عليه وسلم ليس بصحيح، وإن أوهم تخريج القاضي له في الشفاء عن الطحاوي من طريقين... قال ابن تيمية: العجب من القاضي مع جلالة قدره وعلو خطره في علوم الحديث كيف سكت عنه موهماً صحته وناقلا ثبوته موثقاً رجاله. اهـ. وفي المواهب قال شيخنا قال أحمد: لا أصل له وتبعه ابن الجوزي فأورده في الموضوعات، ولكن صححه الطحاوي والقاضي عياض وأخرجه ابن منده وابن شاهين من حديث أسماء بنت عميس وابن مردويه من حديث ابي هريرة اهـ. قال القسطلاني: وروى الطبراني أيضاً في معجمه الكبير بإسناد حسن وذكر السيوطي في (الدرر المنتثرة 193) كلاماً مشابهاً لهذا وعقبه: وقد ادّعى ابن الجوزي انه موضوع فأخطأ كما بينته في مختصر الموضوعات وفي التعقيبات اهـ انظر الأحاديث الواردة في هذا: في المجمع (8/296) والفتح (6/155) وسلسلة الأحاديث الضعيفة 972 ففيها تحليل حول الموضوع.

(*)الإشارة السابعة عشرة – المكتوب التاسع عشر ص(236)

قرئت 61 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد