سبب نزول القرآن الكريم

تفاصيل السؤال

ما هو سبب نزول القرآن الكريم؟

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

الغرض من نزول القرآن الكريم هو أن يصل الإنس والجن إلى "وعي العبودية" فهم مكلفون ويتمتعون بالعقل والإرادة قال الله تعالى : {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات: 56) ، ومن ثم نيل السعادة في الدنيا والآخرة. فالقرآن ليس "كلاماً عبثياً بلا غاية" {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ}(الطارق:13-14)، بل هو مجموعة من المعايير والمقاييس التي "تفرق" بين الحق والباطل، والصواب والخطأ، والخير والشر، والجمال والقبح.
القرآن، كتاب الله الذي هدفه الوحيد هداية البشرية وسعادتها، يستخدم أسلوباً يخاطب أحياناً العقل، وأحياناً العاطفة، وأحياناً الضمير والقلب. كما يدعو القارئ للتفكر من خلال الإشارة إلى الأمم السابقة، والسماء والأرض، وعالم النبات والحيوان، والحقائق النفسية والاجتماعية والفلسفية والأخلاقية. هذه أبرز سماته.
لا يوجد كتاب يستطيع أن يجيب عن السؤال التاريخي للإنسان بهذه الشمولية والوضوح مثل القرآن:
"كيف يجب أن أتصرف لأعيش حياة طيبة في هذه الدنيا، ولأنعم بالسعادة في الدار الآخرة؟"
القرآن يسمو فوق جميع الخصائص البشرية من جغرافية وعرق وغيرها، وحتى عند ذكره للأشخاص والأماكن لا يذكر أسماءهم، بل يستخرج من قصصهم دروساً تربوية للبشرية جمعاء.
بمعناه العام، القرآن الكريم هو هداية وخلاص لكل الناس في كل زمان ومكان. أما بمعناه الخاص، فهو دليل للمؤمنين الواعين بمسؤولياتهم، يرشدهم إلى طرق النجاة من الأزمات والشدائد. فـ"الهداية" في اللغة العربية تعني إرشاد التائه في الصحراء، وهي بالتحديد ما يمثله القرآن للإنسانية.
القرآن هو وصفة خلاص وطوق نجاة للإنسان المعاصر الحائر وسط الأزمات الروحية والانحطاط الأخلاقي والمشاكل الاجتماعية.
يقول الله تعالى:{الر ۚ كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}(إبراهيم: 1)
القرآن هو الطريق الوحيد لسعادة وسلامة المجتمع الذي فقد فضائله ومحاسنه وغدا مستقبله مظلماً:{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ۚ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}(المائدة: 15-16)
بينما تقدم الإيديولوجيات البشرية التي تدّعي حل مشاكل البشرية حلولاً ناقصة ومؤقتة تزيد الطين بلة، يقدم القرآن حلولاً دائمة وصحيحة صالحة لكل زمان ومكان. ويشبّه القرآن الذي يحاول حل مشاكله بالحلول البشرية بشخص في ظلام دامس أضاء له البرق خطوات قليلة ثم عاد الظلام {كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا}(البقرة: 20).
أما القرآن، فهو يهدي إلى أقوم الطرق وأفضلها {إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}(الإسراء: 9)، لأنه هو الحقيقة المطلقة ذاتها {تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ ۗ وَالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ}(الرعد: 1)
{وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ}(الإسراء: 105).
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ* قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}(يونس: 57-58)
القرآن شفاء وراحة ورحمة لكل أمراض القلب والهموم، ودواء للقلوب المريضة والمتحجرة والمعتمة بالذنوب، إذ يطهرها ويرققها ويشفيها:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}(الزمر: 23)
{أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد: 28)
وها نحن نرى أن القرآن جاء بأسلوب يخاطب الناس بلغة واضحة ومباشرة، تذكرهم بواجباتهم ومسؤولياتهم، وتحذرهم من الوقوع في الضلال والظلم، كما يرشدهم إلى الطريق الصحيح، طريق الخير والحق والعدل. وهو ليس كتاباً محصوراً في التأملات النظرية أو المعاني المجردة، بل هو كتاب عملي جاء ليطبق في واقع الحياة.
إن القرآن كتاب الله الأخير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد. وقد تكفل الله عز وجل بحفظه من التحريف والتبديل، ليبقى حجة على الناس إلى يوم القيامة. ولهذا فإن المسلمين مدعوون للرجوع إليه في كل أمور حياتهم، لا سيما في أوقات الفتن والاضطرابات الفكرية والاجتماعية، فهو مصدر الهداية والطمأنينة، ومنبع الحكمة والبصيرة.
إن القرآن لم يأتِ ليكون مجرد نصوص تُقرأ دون فهم أو تدبر، بل أمر الله عباده أن يتدبروه ويتأملوه ويتعقلوه، لأنه مفتاح الهداية والنجاة. قال تعالى:{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}(النساء: 82).
ومن خصائص القرآن العظيمة أنه كتاب يصلح لكل زمان ومكان، ويعالج قضايا الإنسان في كل عصر ومكان، لأنه يخاطب الفطرة الإنسانية، ويوجه القلوب والعقول إلى الخير، ويحث على العدل والرحمة والتعاون والإحسان.
وبهذا المعنى، يصبح القرآن للمؤمنين كتاب حياة، ودستوراً يُنظم علاقاتهم مع خالقهم، ومع أنفسهم، ومع غيرهم من الناس، ومع البيئة والكون من حولهم. وهو مرشدهم إلى السعادة في الدنيا والآخرة، وحصنهم من الفتن والمحن، ومصدر عزتهم وقوتهم.
وإذا نظرنا في واقع المسلمين اليوم، نرى أن أكثر أسباب ضعفهم وتفرقهم يرجع إلى هجر القرآن، والانشغال عنه بغيره، والاعتماد على مناهج بشرية قاصرة. فالعودة إلى القرآن ليست خياراً، بل ضرورة وجودية للأمة الإسلامية.
إن تربية الأجيال على القرآن، وغرس محبته في قلوب الأطفال، وتعليمهم تلاوته وتدبره والعمل به، هو الطريق لإعداد أمة قوية واعية، تعرف طريقها، وتتمسك بثوابتها، وتواجه التحديات بثقة وثبات.
فيا من ترجو صلاح نفسك وأهلك ومجتمعك، عُد إلى كتاب ربك، واجعله أنيسك ومرشدك، واملأ به قلبك وعقلك، تجد فيه ما يشفي صدرك، وينير دربك، ويقوي عزيمتك.
اللهم اجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، وارزقنا تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، على الوجه الذي يرضيك عنا.


 

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
Subject Categories:
قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد