حجاب المرأة في الاسلام

تفاصيل السؤال

هل يوجد في الإسلام شكل معين للحجاب؟ ما هي غاية الحجاب؟ ماذا يعني لباس التقوى؟ هل يمكن أن يتحقق الحجاب في هذا العصر؟

الجواب

الأخ / الأخت العزيز,

الحجاب فطري ومتطلب الفطرة
الحجاب من أهم الوسائل التي تقي من الزنا. إنه أمر فطري وطبيعي. 
الحجاب أمر طبيعي للغاية للنساء، وطبيعتهن تتطلبه. لأن النساء لديهن ميل فطري لأن يحببن أنفسهن، ويتجنبن الكراهية، ولئلا يتعرضن للإهانة. ثم إن نسبة كبيرة من النساء لا يرغبن في كشف أنفسهن للجميع بسبب الشيخوخة أو فقدان الجمال. أو بدافع الغيرة لا يرغبن أن يظهرن أقل جمالًا مقارنة بغيرهن. ومن الطبيعي أن يرغبن بالحجاب خوفًا من الاعتداءات أو التهم أو حتى خشية التعرض لهجوم أو اتهام بالخيانة أمام أزواجهن.
من المعروف أن الإنسان ينزعج من نظرات من لا يحبهم. كما أن المرأة الجميلة، ما دامت سليمة الأخلاق، رقيقة وحساسة وسريعة التأثر، فلا بد أن تشعر بالضيق من النظرات. بل هناك كثير من النساء يشكين قائلين: "هؤلاء الأوغاد يضايقوننا بنظراتهم".
إذن معارضة البعض للحجاب هي في الحقيقة معارضة للقوانين الفطرية والطبيعية المتعلقة بعالم النساء. بينما يأمر القرآن بالحجاب، فهو في الواقع ينقذ النساء من الإذلال والمهانة والعبودية والضياع، ويجعل منهن رموزًا للرحمة وشريكات حياة ثمينة لا تقدر بثمن.
كما أن هناك حياءً فطريًا لدى النساء تجاه الرجال الأجانب أي غير المحارم. وهذا الحياء يقتضي الحجاب. وفطرة المرأة تأمرها بأن تحجب نفسها حتى لا تثير شهوات الرجال الأجانب ولا تفتح المجال للاعتداء. والحجاب بمثابة حصن يحمي المرأة من هذه المخاطر.
ما تعانيه النساء اليوم من أوضاع مؤلمة، وما يعيشه الشباب من أزمة أخلاقية، وما ينتج عن ذلك من آثار جانبية سيئة، هو صفعة في وجه من يعارضون الحجاب ويقولون عنه "عبودية".
العلاقة القوية جدًا بين الرجل والمرأة ليست فقط حاجة دنيوية. فالمرأة ليست شريكة حياة للرجل في الدنيا فحسب، بل ستكون شريكته الأبدية في الآخرة. لذلك، يجب أن لا تهتم المرأة بغير زوجها، ولا تجذب انتباه الآخرين إلى جمالها، ولا تُغضب زوجها أو تغار عليه.
فالرجل المؤمن بسبب إيمانه، علاقته بزوجته ليست مجرد علاقة دنيوية أو مؤقتة لجمالها، بل هي علاقة حب واحترام عميقة تدوم حتى لو شاخت او زال جمالها . ومن الطبيعي أن تخصص المرأة جمالها لزوجها وحده وتظهر حبها له فقط.
سعادة الأسرة تعتمد على الثقة والاحترام المتبادل بين الزوجين. بينما التبرج والسفور يفسدان هذه الثقة ويكسران الاحترام المتبادل.
تكاثر النسل مطلب مرغوب فيه من الجميع. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم] (النسائي). لكن التبرج لا يفيد الزواج، بل يضره. (اليوم، تحاول بعض الدول الأوروبية تقديم حوافز للزواج لإحياء هذه المؤسسة).
بل إن بلادنا لا تُقارن بأوروبا؛ لأن الدول الأوروبية ذات طبيعة باردة، بينما آسيا الإسلامية حارة نسبيًا. ومن المعروف أن البيئة تؤثر على أخلاق الإنسان. والبلدان الحارة بطبعها تُثير الغرائز أكثر، ما يجعل التبرج سببًا للإسراف والانحراف وضعف النسل.
هل يوجد شكل محدد للحجاب في الإسلام؟
لا يمكن القول بأن الإسلام يفرض شكلًا ثابتًا للحجاب. لا النبي صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة كان لهم زي موحد. الإسلام دين عالمي وشامل، ومن الخطأ حصره في زي معين. حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم تظهر تنوعًا في اللباس: أحيانًا إزار، وأحيانًا قميص، وأحيانًا رداء جميل.
في الحديث عن عبد الله بن جابر قال: [رأيتُ رسولَ اللهِ في ليلةٍ إِضْحِيانٍ ، وعليه حُلَّةٌ حمراءُ ، فجعلتُ أنظرُ إليه وإلى القمرِ ، فلهوَ عندي أحسنُ من القمرِ]. كما أن أحد الصحابة طلب من النبي صلى الله عليه وسلم ثوبًا جميلًا فرآه عليه، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم إياه.
النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرض زيًا معينًا، بل كان يلبس ما يتناسب مع المجتمع وعاداته. ما يُقال اليوم عن ارتباط الجلابيب السوداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ليس صحيحًا، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب الأبيض والملون أحيانًا.
المهم ليس شكل أو لون اللباس، بل ان يكون ساتراً 
الحجاب أمر الله
في الجاهلية، كانت النساء يغطين رؤوسهن ويرخين خمرهن خلف ظهورهن. فجاءت آيات سورة النور (30-31){ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ ۖ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ ۖ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ ۚ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} فحرمت هذه الآيات ما كانت تقوم به النساء في الجاهلية ، وتأمر المؤمنات بأن لا يُظهرن زينتهن إلا ما ظهر منها، وأن يسدلن خمرهن على جيوبهن ليغطين رؤوسهن وأعناقهن وصدورهن.
عن عائشَةَ رضيَ اللَّهُ عنها أنها قالَت: [يَرحَمُ اللَّهُ نساءَ المُهاجراتِ الأُوَلَ، لمَّا أنزلَ اللَّهُ: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شقَّقنَ أكنف مروطَهُنَّ فاختمرنَ بِها](البخاري).
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:[ إن المرأةَ إذا بلغت سِنَّ المحيضَ لم يصلُحْ أن يُرَى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهِه وكفَّيه]. (أبو داود).
ما غاية الحجاب؟
غاية الحجاب الشرعي منع ظهور زينة المرأة ومفاتنها أمام الرجال الأجانب. لذا يجب أن يكون الحجاب سميكًا لا يظهر لون البشرة أو الشعر، ولا يصف الجسم. وهذا أمر مؤكد في الكتاب والسنة وإجماع العلماء.
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب: 59).
وافضل اللباس هو لباس التقوى
قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأعراف: 26).
الحجاب ليس مجرد لباس، بل الأهم هو التقوى والحياء. فالإنسان وحده خُلق بلا لباس، بينما زوده الله بالحياء وأمره بالتستر، ليمارس دوره كخليفة الله في الأرض.
الحجاب خاص بالإنسان، أما العري فقد عُدّ في كل زمان ومكان علامة على قلة الحياء.
هل المرأة التي لا تتحجب غير عفيفة؟
لا يجوز وصف النساء غير المحجبات بأنهن غير عفيفات. وكذلك لا يعني أن كل محجبة عفيفة. لكن من منظور الأحكام الشرعية، يُعتبر كشف العورات أمام الرجال الأجانب مخالفة لشريعة الإسلامي وللحياء.
هل يمكن تحقيق الحجاب في هذا العصر؟
هذا السؤال يتردد كثيرًا. كان هناك مشهد في إحدى الحافلات: جلست سيدتان مسنّتان، وصعدت فتاتان محجبتان، فقالت إحداهما: (انظري إليهن!)، فأجابتها الأخرى: (نعم، مؤسف حالهن! زماننا ليس كالسابق. لم يعد الحجاب مناسبًا لهذا العصر. بهذا التخلف لن نتقدم خطوة!)
نعم، وللأسف هذا النوع من التفكير شائع في عصرنا. ولكن يجب أن ندرك أن العصر لا يمكن أن يُعتبر معياراً لتحديد الصح والخطأ، أو الخير والشر. هل كوننا نعيش في القرن الحادي والعشرين يجعل الخمر والمخدرات والزنا والربا أموراً جيدة ومقبولة؟ وهل يجعل الصلاة والحجاب والصوم والزكاة والحياء أموراً سيئة ومتخلفة؟! بالطبع لا.
إن الحجاب، وهو أمر إلهي، لا يتغير بتغير الزمان والمكان. وكما أن الصلاة والصيام والزكاة والحج أحكام ثابتة في الإسلام، فكذلك الحجاب حكم ثابت يجب الالتزام به. والزمن لا يغير الأحكام الإلهية، بل يكشف لنا عن مدى صدق المؤمنين وصبرهم على أوامر ربهم.
إن القيم والمبادئ لا تُقاس بتقدم الزمان، بل تُقاس بمدى انسجامها مع الفطرة السليمة والعقل الصريح والوحي الإلهي.
وفي الختام، يمكننا القول إن الحجاب هو أمر فطري وطبيعي، أمر به الإسلام لصيانة كرامة المرأة، وللحفاظ على عفة المجتمع وأخلاقه. والالتزام به ليس تخلفاً، بل هو التزام بأمر الله، واتباع لسنن الفطرة، وحفاظ على القيم الإنسانية الراقية.

أسئلة إسلامية

المؤلف:
أسئلة إسلامية
Subject Categories:
قرئت 2 مرات
لإضافة تعليق يرجى تسجيل الدخول أو إنشاء قيد جديد