مفهوم الجهاد في ضوء الآيات والأحاديث
هل الجهاد يقتصر فقط على القتال؟ هل يمكنكم شرح مفهوم الجهاد في ضوء الآيات والأحاديث؟
أضافه في أربعاء, 09/04/2025 - 12:39
الأخ / الأخت العزيز,
يتناول بعض الكُتّاب الغربيين مفهوم الجهاد بشكل خاطئ ومتعمد، فيقصرونه على معنى "القتال" متجاهلين معانيه الأخرى الكثيرة، رغم أن مفهوم الجهاد واسع جداً وشامل. وعند دراسة الآيات والأحاديث المختلفة التي تناولت الجهاد، وكذلك تطبيقات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم له، يتضح بجلاء أن الجهاد لا يقتصر على القتال فقط.
فعلى سبيل المثال، حين سألت السيدة عائشة رضي الله عنها:[ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، نَرَى الجِهَادَ أَفْضَلَ العَمَلِ ، أَفَلاَ نُجَاهِدُ ؟ قَالَ : لاَ ، لَكِنَّ أَفْضَلَ الجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ] (البخاري- كتاب الجهاد:1).
وفي حديث آخر[ إن من أعظم الجهادِ كلمةُ عدلٍ عند سُلطانٍ جائرٍ](الترمذي:2175)
ومثال آخر: [ جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ في الجِهَادِ فَقالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قالَ: نَعَمْ، قالَ: فَفِيهِما فَجَاهِدْ] (متفق عليه).
كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ] (مسلم - كتاب الإيمان 80).
من خلال هذه الأحاديث يتضح أن الجهاد له مفاهيم ووسائل واسعة وشاملة.
كلمة "جهاد" في اللغة العربية مشتقة من الجذر "جهد"، ويعني بذل الجهد والطاقة واستعمال كل الإمكانيات لتحقيق هدف معين. وفي أوسع معانيه، يعني الجهاد: العيش في سبيل الله باستقامة مدى الحياة، وبذل الجهد في أداء العبودية بإخلاص، ومجاهدة النفس والشيطان، وتطبيق أوامر الله ورسوله على النفس، ونقل جمال الإسلام للناس بالدعوة، وإبلاغ الرسالة الإلهية للبشرية، والدفاع عن بلاد المسلمين وأهلها من كل تهديد أو عدوان، والقتال عند الضرورة.
وبناءً على هذا المعنى، فإن للجهاد "جانباً معنوياً" وآخر "مادياً".
أما الجانب المعنوي، فيتطلب إيماناً صادقاً، وإخلاصاً وتضحيةً، وهمةً عالية، وهو ما يشير إليه قوله تعالى:
{ آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}(البقرة:285-286)
يتطلب هذا الجانب تربية المؤمنين على العلم والإيمان، ووعي وبصيرة، وتجسيد نموذج المسلم الصادق في الإخلاص والسلوك على المنهج القرآني يقول الله تعالى:
{ إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ۚ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}(الزمر:2-3)
{ وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ}(البقرة:41)
أما الجانب المادي، فيتمثل في التقدم الاقتصادي، والقوة العلمية والتكنولوجية، وتحقيق التفوق الثقافي والسياسي والعسكري لمواجهة أعداء الإسلام وخيانتهم، والاستعداد بأقوى الأسلحة والتجهيزات الممكنة.
في ضوء الآيات والأحاديث، يشمل مفهوم الجهاد في الأدبيات الإسلامية المهام والمسؤوليات التالية:
1. السعي للعيش مدى الحياة متمسكاً بالدين وبإخلاص، ومجاهدة النفس والشيطان، وكسر سلطة النفس الأمارة بالسوء.
2. تغليب الحق والعمل على إعلائه.
3. تعلم الدين والعيش به وتعليمه للآخرين.
4. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
5. التحمل والصبر على الصعوبات والخشونة.
6. الدعوة إلى الإسلام، ونقل الرسالة الإلهية للبشرية.
7. المجاهدة الفكرية والعلمية ضد الأعداء، والتفوق في العلم والتقنية.
8. تحقيق القوة والتفوق الاقتصادي والثقافي.
9. إدارة الدولة ببصيرة وعدم إتاحة الفرصة للمستغلين والفاسدين.
10. بذل الجهد لتجنب الوقوع تحت السيطرة السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية للدول الأخرى.
11. اتخاذ جميع التدابير المسبقة ضد الخيانات والاعتداءات.
12. عند الضرورة، عدم الخوف من القتال، والثبات، والمشاركة بكل القوة والثقة بالله.
إن تضييق مفهوم الجهاد عن قصد أو عن جهل ليقتصر على معنى "القتال" فقط، لا يعكس الحقيقة، ويعد ناقصاً ومخالفاً لما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من معانٍ ومضامين شاملة وعميقة.
أسئلة إسلامية