ميراث المرأة والمساواة
لماذا تُعطى المرأة في الإرث نصف ما يُعطى للرجل في الإسلام؟ وما هي أحكام الإسلام بخصوص ميراث المرأة والمساواة؟
أضافه في اثنين, 28/07/2025 - 16:55
الأخ / الأخت العزيز,
ميراث المرأة والمساواة
أ. وضع المرأة قبل الإسلام
من المزاعم التي تُطرح للطعن في عدالة الإسلام هي أن المرأة تُعطى نصف ما يُعطى للرجل في الميراث، وكأن هذا يُثبت تفضيل الرجل على المرأة وينفي المساواة بينهما. غير أن الواقع ليس كذلك. فإعطاء المرأة نصف حصة الرجل لا علاقة له بتمييز الرجل أو تفضيله، بل العكس تمامًا. فالإسلام أنقذ النساء والأطفال من الظلم الذي كانوا يتعرضون له في الجاهلية، حيث كانوا يُحرمون من الميراث. وقد منحهم الإسلام حقوقًا قانونية ومنحهم نصيبًا في التركة.
قال تعالى:
{لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ ۚ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا} (النساء: 7)
في العصر الجاهلي، لم يكن للمرأة حق في الميراث إطلاقًا، بل كانت تُورث كما تُورث الأشياء، ولا يرث إلا من يستطيع القتال وحمل السلاح. وكان ميراث الميت يُقسم بين أقرب الذكور القادرين على الحرب، ولم يكن للأم أو الأخوات أو الأطفال الصغار أي نصيب. وحتى في المدينة المنورة قبل الإسلام، لم يكن الصغار ولا الأمهات يرثن، بل فقط البالغون من الذكور.
فلما نزل قوله تعالى:
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ ...} (النساء: 11)
اعترض المشركون وقالوا: "يُعطى للمرأة ربع أو ثمن، وللبنت النصف، وللصغير نصيب، وهؤلاء لا يركبون الخيل ولا يقاتلون!".
هذا الاعتراض يوضح كيف كانت تُقاس قيمة الإنسان في الجاهلية بمدى مساهمته الاقتصادية. أما الإسلام فقد جاء بمنظور مختلف يقوم على العدل الإلهي وليس المعايير الاقتصادية أو الجسدية.
وفي حادثة واقعية، جاءت زوجة الصحابي سعد بن الربيع رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو أن عمّ بناتها أخذ مال زوجها بعد استشهاده في أحد، ولم يترك للبنات شيئًا، مع أنهن لن يستطعن الزواج بدون مال. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سيقضي الله في ذلك". فنزلت آيات الميراث.
هكذا أعاد الإسلام للمرأة والطفل مكانتهما القانونية والشرعية، ومنحهم حق الإرث، الذي كانوا محرومين منه. ولذا فإن من يدّعي الدفاع عن حقوق المرأة يجب عليه أن يُثني على هذا الإصلاح الثوري الذي قام به الإسلام في مجتمع قَبَلي، بدلاً من مهاجمة الإسلام.
بل إن القرآن لم يكتف بإعطاء الأبناء نصيبًا، بل ذكر صراحة نصيب الأم، والبنت، والأخت، والجدّة، والحفيدة، وغيرهن من النساء، وبيّن لكل منهن نصيبًا مفروضًا لا يمكن تغييره لا بالوصية ولا بالعُرف.
ب. الآيات المتعلقة بميراث المرأة
من الواضح أن الإسلام منح المرأة حق الميراث كما منح الرجل. والاعتراض الشائع هو أنها تأخذ نصف ما يأخذه الرجل. غير أن هذه المعلومة غير دقيقة وتقوم على قراءة مبتورة للآيات.
فالتفصيل كالتالي:
1. المرأة تأخذ نصف نصيب الرجل فقط في حالة واحدة، وهي عندما تكون أختًا أو بنتًا لرجل يتقاسمان التركة من نفس الوالدين.
قال تعالى:
{ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ ...}(النساء: 11)
إذا كان للميت بنات فقط، أكثر من اثنتين، فلهن الثلثان من التركة. وإذا كانت بنتًا واحدة، فلها النصف {...فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ...}(النساء: 11)
2. في حالة وفاة أحدهم وله أولاد، فالأب والأم يرثان السدس كل منهما. أما إذا لم يكن له أولاد، فالأم ترث الثلث. وإذا كان له إخوة، فالأم ترث السدس. {... وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ..}(النساء: 11)
3. الزوجة ترث الربع إذا لم يكن للزوج أولاد، والثُمن إذا كان له أولاد. [النساء: 12] {... وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ..}(النساء: 12)
إذن، القول بأن "المرأة تأخذ نصف الرجل" ليس صحيحًا على الإطلاق في جميع الحالات، بل يعتمد على نوع العلاقة وعدد الورثة الآخرين.
ج. لماذا يأخذ الرجل ضعف نصيب المرأة؟
يبدو من النظرة الأولى أن في ذلك ظلمًا، لكن بالتمعن يظهر أن ذلك هو العدل بعينه، للأسباب التالية:
1. العبء المالي على الرجل: الإسلام كلف الرجل بالنفقة على زوجته، وبناته، وأمه، وأحيانًا أخواته. أما المرأة فلا تكلف بالإنفاق على أحد. إذًا من الطبيعي أن يُعطى الرجل أكثر لأنه مُلزَم بمصاريف أكثر.
2. المرأة ليست ملزمة بالإنفاق من مالها: حتى وإن كانت غنية، فلا يلزمها الشرع بالإنفاق على أحد. أما الرجل فملزم بالنفقة حتى وإن كان فقيرًا.
قال بديع الزمان سعيد النورسي: ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ {ﻓﻠﻠﺬﻛﺮ ﻣﺜﻞُ ﺣﻆِّ ﺍلاﻧُﺜﻴﻴﻦ}ﻣﺤﺾُ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﻭﻋﻴﻦُ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻧﻔﺴﻪ.
ﻧﻌﻢ، ﺇﻥَّ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻋﺪﺍﻟﺔٌ؛ لأﻥَّ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﻜﺢ ﺍﻣﺮﺃﺓ ﻳﺘﻜﻔﻞ ﺑﻨﻔﻘﺘﻬﺎ ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﻓﻲ ﺍلأﻛﺜﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ. ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺮﺃﺓ ﻓﻬﻲ ﺗﺘﺰﻭﺝ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﺗﺬﻫﺐ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﺗﺤﻤِّﻞ ﻧﻔﻘﺘَﻬﺎ ﻋﻠﻴﻪ، ﻓﺘـلاﻓﻲ ﻧﻘﺼَﻬﺎ ﻓﻲ ﺍلإﺭﺙ.
3. المرأة تحصل على مهر وهدايا عند الزواج، ولا تُجبر على الإنفاق من مالها، بينما الرجل يصرف من ماله على الزواج والبيت والأسرة. حتى إن كانت المرأة عازبة أو أرملة، فهي في كفالة أبيها أو أخيها، ولهما مسؤولية إعالتها.
4. الرجل يمكنه أن يعطي أخته من نصيبه، دون أن يمنعه أحد، وهذا يُعتبر تبرعًا أو هدية، ولا حرج فيه.
5. البعد النفسي والاجتماعي: في أغلب المجتمعات، البنت تُنظر إليها على أنها "ستنقل مال الأسرة إلى عائلة أخرى". لذا فقد يؤدي تساوي الحصص بين البنت والولد إلى تآكل المحبة والرحمة بين الإخوة.
قال النورسي:(ﺛﻢ ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ ﺭﺣﻤﺔٌ؛ لأﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﻨﺖ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻣﺤﺘﺎﺟﺔ ﻛﺜﻴﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺷﻔﻘﺔ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻭﻋﻄﻔِﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻭﺇﻟﻰ ﺭﺣﻤﺔ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﻭﺭﺃﻓﺘﻪ ﺑﻬﺎ ﻓﻬﻲ ﺗﺠﺪ، ﺣﺴﺐ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﻘﺮﺁﻧﻲ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺍﻟﺪﻫﺎ ﻭﻋﻄﻔﻪ ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﻜﺪّﺭﻫﺎ ﺣﺬﺭ، ﺇﺫ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﺍﻟﺪُﻫﺎ ﻧﻈﺮﺓ ﻣﻦ لا ﻳﺨﺸﻰ ﻣﻨﻬﺎ ﺿﺮﺭﺍً، ﻭلا ﻳﻘﻮﻝ ﺑﺄﻧﻬﺎ ﺳﺘﻜﻮﻥ ﺳﺒﺒﺎً ﻓﻲ ﺍﻧﺘﻘﺎﻝ ﻧﺼﻒِ ﺛﺮﻭﺗﻲ ﺇﻟﻰ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ ﻭﺍلأﻏﻴﺎﺭ. ﻓـلا ﻳﺸﻮﺏ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺸﻔﻘﺔَ ﻭﺍﻟﻌﻄﻒَ ﺍلأﺑﻮﻱ ﺍﻟﺤﺬﺭُ ﻭﺍﻟﻘﻠﻖُ.
ﺛﻢ ﺇﻧﻬﺎ ﺗﺮﻯ ﻣﻦ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﺭﺣﻤﺔً ﻭﺣﻤﺎﻳﺔ لا ﻳﻌﻜّﺮﻫﺎ ﺣﺴﺪٌ ﻭلا ﻣﻨﺎﻓﺴﺔ، ﺇﺫ لا ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺃﺧﻮﻫﺎ ﻧﻈﺮ ﻣَﻦ ﻳﺠﺪ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﻓﺴﺎً ﻟﻪ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗﺒﺪﺩ ﻧﺼﻒ ﺛﺮﻭﺓ ﺃﺑﻴﻬﻤﺎ ﺑﻮﺿﻌﻬﺎ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺍلأﺟﺎﻧﺐ. ﻓـلا ﻳﻌﻜﺮ ﺻﻔﻮَ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﺤﻤﺎﻳﺔ ﺣﻘﺪٌ ﻭﻛﺪﺭ).
وإذا لم يُقبل تقسيم الله للحقوق، فسينشأ الظلم. وقد رأينا كثيرًا من النزاعات والمشاكل العائلية، والضغط على البنات للتنازل عن حقوقهن في الميراث.
لذلك، فإن ما فعله الإسلام من إعطاء الرجل حصة أكبر في بعض الحالات يتماشى مع عبء المسؤوليات المالية عليه. أما المرأة، فحتى إن كانت فقيرة، فإن المجتمع الإسلامي يكفلها ويصونها.
ولو لم يكن هذا الحكم من الله العادل الحكيم، لقلنا إنه لا عدالة على الأرض.
الخلاصة:
نظام الإرث في القرآن أحد أكثر المواضيع تفصيلًا. والنظر إلى الموضوع من زاوية "المساواة المطلقة" فقط هو خطأ كبير. فالقرآن ينظر إلى "العدالة" وليس فقط "المساواة"، ويُفرّق بين الرجل والمرأة حسب المسؤوليات والاحتياجات. لذا فإن إعطاء المرأة نصف ما يأخذه الرجل في بعض الحالات لا يدل أبدًا على تفضيل الرجل، بل هو توزيع عادل يتناسب مع التكليفات والواجبات، ويهدف إلى تحقيق التوازن في الأسرة والمجتمع.
إذا لم تُراعَ هذه الاعتبارات، وتُرك الأمر للعادات البشرية والأنانية، فلن يكون هناك عدل حقيقي، بل صراعات لا تنتهي. أما إذا طُبقت أحكام القرآن بحكمة، فسيتحقق العدل الحقيقي، والتراحم داخل الأسرة، وستزدهر الطبقة المتوسطة، مما يدل على أن النظام الإسلامي ليس فقط شرعيًا، بل أيضًا إنسانيًا واجتماعيًا متوازنًا.
أسئلة إسلامية